فيلم ” V FOR VENDETTA ” والربيع العربي استشراف أم تخطيط ؟

يقول لوران جير فيرو (Laurent Gervereau) في نقده للأفلام: (( قد تبدو مرحلة الوصف مرحلة ساذجة، ولكنها تبقى أساسية؛ فانطلاقا من العناصر المتحصل عليها عن طريق الوصف البسيط يبنى التحليل الناجح فأن تصف معناه أّنك تفهم ))، وذلك بأن تكشف كل المعطيات، والمعلومات المادية التي تخص الصورة، أي الجانب التقني، والجانب التشكيلي، والموضوع .

“V for vendetta” باللغة الانجليزية أو “ثاء رمزا للثأر” باللغة العربية، فيلم أُنتج سنة 2005م، مشتركا بين مؤسسات إنتاج سينمائية عالمية أمريكية، وبريطانيا، وألمانيا: وانر بروس (Warner Bros)، وسيلفر بيكتشرز (Silver Pictures)، وفونفته بابلز بارغ فيلم (Fünfte Babelsberg Film)، وفيزوال ستديو (Virtual Studios)، وهو من إخراج: جيمس مكتيغ ( James McTeigue)، وإنتاج: جويل سيلفير (Joel Silver)، وسيلفر بكتشرز (Silver Pictures)، والأخوين واكووسكي (Andy et Larry Wachowski)، ويتقاسم دور البطولة فيه كل من: ناتالي بورتمان (Natalie Portman) في دور إيفي هاموند (Evey Hammond)، وهوغو ويفنغ (Hugo Weaving) في دور “في” (V)، وجون هورت (John Hurt)، وستيفن ريا (Stephen Rea) في دور إريك فينش (Eric Finch)، وستيفن فرا (Stephen Fry).. مدة عرض الفيلم: 132 دقيقة، وبلغت تكلفة إنتاجه 54 مليون دولار أمريكي، وحصد الفيلم إيرادات مالية تجاوزت حاجز الـ 131 مليون دولار أمريكي بعد عرضه في دور العرض حول العالم، وما يزال الفيلم يلقى إقبالا من الجمهور كلما تم عرضه .

و“فانديتا” (Vendetta) كلمة لاتينية تعني الانتقام، صدرت كرواية، ورسوما في مجلات مصورة ثم صورت فيلما سينمائيا يحمل العنوان “V for vendetta“، وتدور أحداث الرواية في فترة ما بعد نهاية العالم في المستقبل القريب للمملكة المتحدة (UK) حيث ينتشر الفساد السياسي والاجتماعي في المجتمع، فيظهر صاحب القناع الثائر المناهض للملكية البريطانية جاي فوكس (Guy Fawkes)، ويحاول في عام 1606 اسقاط الحكم من خلال نسف مبنى البرلمان الإنجليزي بالتعاون مع مجموعة من الثوار الذين ارتدوا أقنعة تخفي وجوهم وشخصياتهم .

غلاف فيلم ” V for vendetta ”

غلاف كتاب ” V for vendetta ”

“V for vendetta” فيلم مقتبس من رواية مصورة من تأليف: الكاتب آلان مور(Alan Moore)، وقام ديفيد لويد (David Lloyd) برسم معظم رسوماتها الكاريكاتورية، ونشرتها دار دي سي كوميكس (DC Comics)، وأصبحت هذه الرواية الهزلية واحدة من أشهر القصص البريطانية .

وتدور أحداث الرواية في النسخة الورقية حول حياة غاي فوكس (Guy Fawkes) الذي انضم في البداية إلى جيوش الإسبان للمشاركة في حرب الثمانين عاما في هولندا، وهي حرب خاضها مجموعة من المتمردين ضد الملك الاسباني فيليب الثاني بعدما رفض التفاوض معهم أو الاستماع لمطالبهم، واستمرت الحرب من سنة 1568 إلى 1648، وانتهت بانتصار الثائرين المتمردين وإعلان هولندا جمهورية .

وبعدها حاول جاي فوكس (Guy Fawkes) أيضا التمرد مع بعضا من رفاقه على حكم الملك جيمس الأول (James I) في انجلترا في عام 1603م، ولكنه لم يلق ترحيبا من رفقائه في عمليات التمرد بإسبانيا إلا أنه التقى بثائر إنجليزي يدعى “توماس وينتور” (Thomas Wintour)، و”روبرت كاتسبي” (Robert Kazbe)، وانضم إليهم آخرون، واقترح عليهم جاي فوكس ارتداء ” قناع فانديتا” (Vendetta) حتى يتمكنوا من إخفاء هوياتهم إلى حين الانتهاء من مهمتهم، ثم وضعوا خطة لنسف مبنى مجلس اللوردات خلال افتتاحه من قبل الملك جيمس الأول (James I) .

قام جاي فوكس (Guy Fawkes) وعصابته بحفر سرداب ليتمكنوا من المرور أسفل مجلس اللوردات، وسربوا حوالي 36 برميلا من البارود، وتم وضعهم أسفل قاعدة المبنى، وكان جاي فوكس المشرف على حراسة البارود، وارتدى وقتها قناعه الشهير “فانديتا” (Vendetta) وانتظر حتى تدق ساعة الصفر، ويشعل فتيل البرود لتنفجر البراميل وتدمر المبنى، وكان ذلك في يوم 05 نوفمبر 1605، إلا أن مخططاتهم باءت بالفشل حيث تلقت السلطات الإنجليزية خطابا عاجلا يخبرهم عن تفاصيل عملية التفجير، فانتشرت القوات الإنجليزية في محيط المبنى، وتم القبض على جاي فوكس قبل أن ينفذ الخطة، وخُلع قناعه، واقتيد إلى قلعة برج لندن، وتعرض لشتى أنواع التعذيب، ثم نُفذ فيه حكم الإعدام عام 1606، ورحل عن العالم تاركا ورائه ” قناع فانديتا ” الذي أصبح رمزا للتمرد .

الصورة المفترضة لمجلس اللوردات الانجليزي وهو يحترق بعد عملية التفجير يوم 05 نوفمبر 1605..

أما قصة فيلم “V for vendetta” فهي تكاد تكون مطابقة في أحداثها للرواية المصورة إذ تعرض التاريخ المستقبلي للمملكة المتحدة أين تكون الأحداث قد وقعت في المستقبل المفترض في سنة 2038 حين تتحول بريطانيا إلى دولة شمولية يحكمها حزب يميني متطرف بعد حرب نووية أدت إلى دمار العالم كله، وعلى الرغم من أن معظم الأضرار التي حدثت في البلاد كانت بطرق غير مباشرة من خلال الفيضانات وتلف المحاصيل ،

إلا أنه في هذا الزمن المستقبلي يظهر حزب فاشي يدعى “نورسفاير” (Nursvair) يقوم بإبادة معارضيه، ويلقى بهم في معسكرات الاعتقال، ويحكم البلد بقبضة من حديد يكون فيها منطق القوة، والقهر، والموت هو السائد، فيظهر الثائر “في” (V)، الذي نجا بجسم مشوه من حادثين مهلكين؛ أولها حادث الاحتراق الذي دمر المشفى (المختبر) العسكري السري، وثانيهما حادث التجارب العلمية البيولوجية السرية التي أخضع لها هو وعدد كبير من الناس، فكان الوحيد الذي كتبت له الحياة من بين جميع أولئك الذين جُرِّبت عليهم العقاقير الطبية، ولكن “في” (V) الذي كان يُعتقد أنه هلك في حادثة الحرق، يخرج إلى الحياة هاربا من الحكومة المستبدة في صورة رجل ثوري منتقم، ومثير للشغب، يتقن حركات قتالية، وعلى كفاءة عالية في استخدام السكاكين، ويرتدي قناع غاي فوكس (Guy Fawkes)؛ وهو قناع ذو ملامح هزلية تنبسط عليه أبدا ابتسامة عريضة ساخرة ،

وشارب رقيق مضحك، ويتخذ “في” (V) من تاريخ 05 نوفمبر موعدا هاما لتغيير مجريات التاريخ حيث يتم في بداية الفيلم تفجير المحكمة الجنائية المركزية، ثم يحدد التاريخ نفسه بعد سنة من الحدث الأول كموعد لتفجير قصر وستمنستر (Westminster)، ونهاية الفاشية، والديكتاتورية، وبداية عهد الشعب يحكم نفسه .

صورة الشخصية البطلة في فيلم (V for Vandetta) خلف القناع .

ويبدأ “في” (V) في تنفيذ خطته للانتقام ممن تسببوا في أذيته، وهلاك زوجته تحت التجارب الكيميائية نتيجة المحاليل الطبية المجهولة التركيب التي كانت تحقن بها المعتقلون وبقية نزلاء المختبر، ومن يمت منهم نتيجة التجارب يتم دفنه سرا أو حرقه لإخفاء معالم جريمتهم، وانتهاكهم حقوق الإنسان ،

وبمجرد إعلان “في” (V) حملته الميدانية المدروسة، والعنيفة يباشر في عملية القضاء على سجّانيه السابقين أولا واحدا تلو الآخر، ثم يتوج خطته بالعمل على إسقاط الحكومة من خلال تفجير مبنى البرلمان، وإقناع الشعب بأنه يجب أن يتمر على النظام ويحكم نفسه بنفسه.